نصوص الانطلاق :
قال تعالى" .....وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿23﴾ " المائدة
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " أخرجه الإمام الترمذي
الشرح:
وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ : وعلى الله وحده فتوكَّلوا، إن كنتم مُصدِّقين رسوله فيما جاءكم به، عاملين بشرعه.
( لو أنكم كنتم توكلون ) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تعتمدون
( حق توكله ) بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله ، وأن لا معطي ولا مانع إلا هو ثم تسعون في الطلب بوجه جميل وتوكل
( تغدو ) أي تذهب أول النهار
( خماصا ) بكسر الخاء المعجمة جمع خميص أي جياعا
( وتروح ) أي ترجع آخر النهار
( بطانا ) جمع بطين ، وهو عظيم البطن والمراد شباعا . قال المناوي أي تغدو بكرة وهي جياع ، وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف .
مضامين النصوص:
1- الآية الكريمة يدعوا الله عز وجل عباده المومنين إلى التوكل عليه إن كانوا حقا يومنون به.
2 - الاعتماد على الله والأخذ بالأسباب يجلب للإنسان الرزق.
استنتاج :
1-التوكل
مفهومه: هو الاعتماد على الله تعالى في كل الأمور الدينية والدنيوية، وتفويض الأمر له مع الأخذ بالأسباب لتحقيق المبتغى .
مظاهره: الاجتهاد في طلب الرزق- الأخذ بالأسباب المشروعة الموصلة للمراد- طلب المعونة والتوفيق من الله تعالى- الصبر والتحمل للوصول إلى الهدف المشروع.
أثاره : يجلب محبة الله تعالى للمتوكلين وحسن الظن بالله تعالى أي أنه تعالى معين وناصر لهم- كفاية الله للمتوكلين وزيادة ثقتهم بأنفسهم- كما أن التوكل يحفظ لهم كرامتهم ويجعلهم ينفعون أمتهم وأنفسهم .
2- التواكل
مفهومه: هو اعتماد الإنسان على الغير دون عمل أو سبب للحصول على الكسب والمال.
مظاهره: العجز- الكسل - الخمول .
آثاره : حرمان المتواكل أهله من مصدر الرزق- يصبح علة على غيره- يفقده التواكل عزته وكرامته- يعطل طاقاته العقلية والجسدية- يورثه الفقر .
عواقبه على المجتمع : يشكل المتواكلون خطورة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبذلك يساهمون في تأخر مجتمعهم وانحطاطه.
جزاء المتواكل: الفشل في الحياة- ذمه الإسلام لتنافيه مع الدعوة إلى العمل- انحطاط قدره في الدنيا والآخرة.
التوكل والتواكل
لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لأمته الفهم الصحيح لمعني التوكل ورسم حياته صلى الله عليه وسلم كلها بالجد والعمل والجهاد المتواصل ولعل سيرته المباركة تروي القصص الكثيرة عن توكله على الله تبارك وتعالى فلم يقدم على معركة إلا بعد أن يعد لها العدة من السلاح والرجال ثم يلتجئ إلى الله طالباً النصر منه وهكذا كان في غزوة بدر عندما كان في عريشه يدعو الله تعالى (اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادُّك وتكذبُ رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم أَحِنْهُمُ الغداة، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد اليوم).
فالتوكل المشروع هو التوكل على الله عز وجل وهو شُعبة من شُعب الإيمان البضع والسبعين التي تضمنها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة) الذي رواه البخاري وأصحاب السنن.. وعلى هذا يمكن تعريف التواكل بأنه ما هو عكس ذلك فالتوكل هو الفاعلية والحيوية والعطاء بينما التواكل يعني التقاعس والخلود إلى الراحة والنوم والجلوس في البيت ومن هذا التواكل ما يعكسه لنا القران على لسان قوم موسى في قوله (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (سورة المائدة 24).
وتواكل الإنسان هو أن يستكين ويستسلم ولا يأخذ بالأسباب ويكون مهملاً ويعتقد أن الأمور سوف تأتيه دون القيام بأي جهد وهو مرفوض من الناحية الشرعية ومن الناحية الطبية النفسية بالطبع.
آثار التواكل
وللتواكل آثار جسيمة من الناحية الشرعية هي كالتالي:
- لا يعطي المؤمن قوة وعزة.
- معصية لأنه خروج عن تنفيذ ما أمر الله به.
- سوء ظن بالله تعالى.
- له أثر كبير في تدمير الفرد والمجتمع.
- ضلال وشقوة لا يثمر غير الحسرة يوم القيامة.
التواكل .. نفسياً
الإنسان بالطبع دائما في صراع مع صعوبات الحياة النفسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصراع تعقبه –عادة-انتصارات أو خسارات وكثيرا ما تنتج عنه آلام ومشاق قد تتجمع على الشخص لتفقده لذة الحياة ويسطو القلق عليه فيفتن في دينه ومعاشه وعقله وماله وأهله ولا يستطيع وقتها في هذا الجو المشحون أن يسعد نفسه وبالطبع أن يسعد غيره بل ربما تتعطل قواه العقلية وتضعف قواه الجسمية فيصير شخصا مرهقا لا فعالية له فيهاجمه التواكل لذلك فإن التوكل الدافع القوي والباعث الحثيث على ذكر الله فهو من أهم وسائل طمأنينة القلب التي وصف الله بها عباده المؤمنين، فقال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(سورة الرعد 28). والذي يطمئن قلبه يفيد وينتج.
أي أنه إذا ذهبت لطبيب نفسي لتحاول إيجاد علاج للتواكل الأكيد أن الطبيب سيكتب لك في (الروشتة) أن العلاج هو التوكل على الله لأنه ضرورة دينية فطرية لا يستغني عنها احد من الناس فلا العالم ولا الجاهل ولا الغني ولا الفقير إلا ويحتاج إلى هذه الشحنة الباطنية الممتعة من الإيمان بالله والتوكل عليه وحسن الظن به.
طرق التوكل
ويؤدي المسلم فريضة التوكل على الله عن طريق قلبه ولسانه وجوارحه على النحو التالي:
- قلبه: فهو عبادة قلبية كالمحبة والرحمة والإخلاص.
- لسانه: فيذكر المتوكل كلمات التوكل ويتلوا آيات التوكل ويدعو بدعوات التوكل التي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- جوارحه: وعملها في التوكل هو تحركات المتوكل في أشغاله وأعماله وحاجاته وأغراضه ليعمل عملاً جاداً مجتهداً للحصول علي ما يصبو إليه آخذاً بالأسباب الميسرة له في ذلك معلقاً النتائج على مشيئة الله فما تيسر منها فبتيسيره وما تعسر فبتقديره.
نتائج التوكل
للتوكل نتائج تعود على الفرد ثم على المجتمع من خلال نشاطه وهى كالتالي:
- على المستوى التعبدي: المتوكل على الله ينتهج منهج قادة البشرية وهداتها من الأنبياء والمرسلين إذ أن جميعهم كانوا متوكلين على اله عز وجل.
- على المستوى المعيشي: تتجدد لدي الفرد –من حين لآخر- القوة العملية في البحث والمحاولة وتطوير سبل المهنة ووسائل الإشهار وطرق الإنتاج فلا يتسرب إليه الملل بسهولة ولا يهاجمه اليأس مما يجعله دائما يكرر المحاولات ويبذل المجهود وسرعان ما يفتح الله عليه فينجح أو يربح أو ينجو -على الأقل- من منافسة مكيدية وكوارث مصاريف مزعومة زائدة بفضل حسن توكله على الله الذي لا يخلف وعده وقد وعد الله المتوكل عليه بأنه يكفيه.
خلاصة القول
عموما التوكل على الله يعطي المؤمن قوة وعزة وهو عبادة وهداية ونعمة من الله وحسن ظن به عز وجل وله أثر عظيم في سعادة المؤمن وآية الإيمان الكامل الصحيح المضمون ومادمنا واثقين به -سبحانه- فلا يجب أن ننهزم نفسيا عندما نمنى بنكسات بل يجب أن نواصل العمل والجهاد والاجتهاد لأننا مؤمنون بالله ونسعى ونتوكل عليه.
جعلنا الله في مصاف المتوكلين عليه والمتمسكين بفرائضه ممتنعين عن نواهيه عز وجل.
المصدر : dorous.ek.la