1 ) نص الحديث:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ !
فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ :
اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ ". الترمذي- أبواب الزهد.باب من اتقى المحارم فهو أعبد الناس).)
2 ) الشروح:
من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن: معنى الكلمات: الوصايا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يسأل من يأخذ من القوم وصاياه ويطبقها في دنياه .
المحارم : كل ما حرم الله.
وارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس: اقنع بنصيبك من الدنيا والمقصود بالغنى هنا غنى النفس وعدم الإلحاح في الطلب.
أحسن إلى جارك تكن مؤمنا : أي عليك أن تعامل جارك معاملة حسنة .
وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما: أي أحب الخير للناس كما تحبه لنفسك. .
ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب : أي أن لا يجعل الضحك خلقك في كل أوقاتك فتنشغل عن واجباتك الدينية والدنيوية،لأن هذا الخلق يذهب إحساس قلبك ونورك .
3 ) التعرف على الأعلام :
من هو الترمذي؟
هو الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَورة الترمذي المولود سنة 209هـ والمتوفى سنة 279هـ كان الترمذي من خواص تلامذة البخاري، شهد له العلماء بالعلم والحفظ والمعرفة ، وبالديانة والورع ، حتى إنه لغلبة الخشية عليه كف بصره آخر عمره ، من كثرة بكائه من خشية الله تعالى.
قال الحافظ أبو سعيد الإدريسي عن الترمذي :
أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث ، صنف الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن ، كان يضرب به المثل في الحفظ
مفهوم الوصية :
مجموعة من النصائح والأحكام تقدم من طرف حكيم ذو خبرة وتجارب.
المستفاد من الحديث: وصى الرسول صلى الله عليه وسلم بخمس وصايا شملت العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق لما لها من نفع بالغ الأهمية بالنسبة للإنسان في دنياه وآخرته ، فهي توثق الصلة بينه وبين عامة الناس، وتجعله يحتل منزلة عالية في الدنيا والآخرة، وذلك ب:
1- الابتعاد عن كل ما حرمه الشرع ونهى عنه.
2- وبالرضا بكل ما قسمه الله له من الأرزاق. 3
- وبالإحسان إلى جاره، حيث حُرِم المسيء إليه من الدخول إلى الجنة، ولكثرة ما وصى به جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم ظن أن الله سيورثه.
4- محبة المنفعة للناس كما يحبها لنفسه.
5- عدم الإكثار من الضحك لأنه يجعله يغفل عن ذكر الله، وعن التفكر ويقظة الضمير، ويضعف في موضع الجد.
فالمسلم يجب أن يكون تقيا قويا متضامنا يحرص على نصح الآخر، تهمه منفعة أخيه المسلم ومصلحته كما تهمه منفعة ومصلحة نفسه.
الوصايا الخمس
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلمهن من يعمل بهن؟)، فقال أبو هريرة: فقلت أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: (اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب)
(اتق المحارم تكن أعبد الناس): المحارم تشمل جميع المحرمات من فعل المنهيات وترك المأمورات التي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، كالشرك وقتل النفس والسرقة والزنا والنميمة والكذب والخيانة وقول الزور وأكل الربا وعقوق الوالدين وقطع الرحم وشرب الخمر والسحر وغيرها، ولعل التعبير بالاتقاء اعتناء لجانب الاحتماء على قاعدة الحكماء في معالجة الداء بالدواء.
فإذا اجتنب المرء جميع ما نهى الله عنه ارتقى إلى أعلى مراتب العبودية، لكونه جاهد نفسه على ترك الحرام، قالت عائشة رضي الله عنها موضحة ذلك المعنى: "من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب"، وقال الحسن البصري: "ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه"، ولكن ينبغي أن يُعلم أن المقصود من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به نوافل الطاعات، وإلا فجنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات، لأن الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم المطلوب عدمها، ولذلك لا تحتاج إلى نية بخلاف الأعمال، كما ذكر ذلك الإمام ابن رجب رحمه الله.
(وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس): السعيد الحق هو من رضي بما قسم الله له, وصبر لمواقع القضاء خيره وشره, والرضا هو السياج الذي يحمي المسلم من تقلبات الزمن, وهو البستان الوارف الظلال الذي يأوي إليه المؤمن من هجير الحياة، وهو الغنى الحقيقي؛ لأن كثيرا من الناس لديهم حظ من الدنيا، لكنهم فقراء النفس ومساكين القلب, فقد أعمى الطمع قلوبهم عن مصدر السعادة والغنى الحقيقي, الذي هو غنى القلب والرضا وسكينة النفس، قال تعالى: {يوم لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم} (الشعراء: 88-89)، فالقلب السليم هو القلب المطمئن الذي رضي بما قسم الله له واطمأن بذكر الله, قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
وما أحسن قول الشاعر: وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها.
والحاصل أن من قنع بما قسم له ولم يطمع فيما في أيدي الناس اسْتغنى عنهم، فالقناعة غنى وعز بالله، وضدها فقر وذل للغير، ومن لم يقنع لم يشبع أبدا، ففي القناعة العز والغنى والحرية، وفي فقدها الذل والتعبد للغير.
(وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا)والجيران ثلاثة: جار قريب مسلم؛ فله حق الجوار والقرابة والإسلام، وجار مسلم غريب؛ فله حق الجوار والإسلام، وجار كافر؛ فله حق الجوار، وإن كان قريباً فله حق القرابة أيضاً.
( وأحبَّ للنَّاسِ ما تحبُّ لنفسِكَ تَكن مسلِمًا ): إذا عاملتَ الناسَ بمثلِ ما تحبُّ أن تعاملَ به؛ فإنكَ ستصل إلى مرتبةٍ عاليةٍ عندَ الله وهيَ الإسلام.
(ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب): ولذا فإن المنهي عنه في هذا الحديث ليس مجرد الضحك، بل كثرته، فليس الضحك منهي عنه لذاته ولكن لما يمكن أن يؤدي إلى نتائج وأخلاق لا يرضاها الإسلام، وكل شيء خرج عن حده انقلب إلي ضده.